قبل أيّام من انطلاق العام الدّراسي… مشاكل التعلّم عن بعد مكانك راوح
في شهر آذار الماضي بدأت رحلة الطلاب في لبنان بـ”التعلّم” عن بُعُد، بعد أزمة عالمية أحلّت بكوكب الأرض واسمها “كورونا”، الأمر الذي كشف هشاشة النظام التربوي اللبناني، والذي لا ينفصل إطلاقا عن كل النظام اللبناني.
لم تكن البداية مشجّعة، وكشفت عن صعوبات ضخمة تواجه التعلم عن بُعُد، وهذه الصعوبات تتفاوت بين مؤسسة تعليمية وأخرى، وبين منزل وآخر، وبين طالب وآخر، فما هي أبرز المعوقات لنظام التعلم عن بعد؟
عندما نتحدث عن التعلم عن بُعُد، فأول ما يتبادر الى الذهن هو “الانترنت”، كونه الوسيلة الأكثر استعمالا في هذا النظام، وفي لبنان لم يختلف الحال كثيرا، ولو أن وزارة التربية والتعليم العالي حاولت تنويع الوسائل من خلال اعتماد البث التلفزيوني لحصص تعليمية، عبر تلفزيون لبنان، الى جانب عملية تبادل الأوراق بين المدارس والطلاب، وهذه الوسائل لن تختلف هذا العام كون القطاع التربوي تراجع الى الخلف بدل التقدّم، بسبب ما يعانيه لبنان من أزمات.
ضرورة التفريق بين المؤسسات الخاصة والرسمية
ينال القطاع الخاص في لبنان اهتماما كبيرا مقارنة بالقطاع الرسمي، ليس في المدارس والجامعات فحسب، بل في كل المجالات، وبناء عليه، يجب القول أن المدارس الخاصة، بمعظمها، وخصوصا دون تلك المعروفة بأنها شبه مجانية، تمكّنت من تحقيق التقدم في مجال التعلم عن بعد، دون أن يعني ذلك تحقيق النجاح الباهر، لوجود صعوبات لا علاقة لها بالمدارس، وسنأتي على ذكرها في هذا التقرير.
اما المدارس الرسمية، فهنا حدّث بلا حرج، فهذه المدارس تعاني من أبسط مقومات الاستمرار والصمود، وطلابها من فقراء لبنان، والصعوبات التي تواجه التعليم الرسمي، بأغلبه، لكي لا نعمّم، أكبر بكثير من قدرة هذا القطاع.
صعوبات عامة بالجملة..
مخطىء من يظنّ أن التعليم الخاص لن يعاني من مشاكل في التعليم عن بعد، فالصعوبات مشتركة بين التعليم الخاص والرسمي، وهنا نبدأ من مشاكل “الإنترنت” في لبنان، فهذا الشق الحيوي لأي تطور وتقدّم، بالقطاع التربوي وبكل القطاعات، لا يزال يعاني في لبنان من ضعف بالجودة وغلاء بالثمن، وبالتالي إن هذا العائق يشكّل أزمة حقيقية لا يملك حلّها الطالب ولا إدارة المدارس، إنما فقط حلّها بيد الدولة ووزارة الإتصالات.
وفي هذا السياق علم “أحوال” أنّ وزارة التربية ستتعاون مع وزارة الإتصالات لتسهيل وصول الانترنت الى المنازل، وتحديد تسعيرات خاصة للطلاب في منازلهم، ولكن كل هذه الحلول لم تجد طريقها بعد الى التنفيذ، لأسباب عديدة، أولها عدم قدرة وزارة الإتصالات المالية على تنفيذ هذا الأمر اليوم، وثانيها، عدم وجود دراسات وإحصاءات حول أعداد الطلاب الذي يحتاجون الى المساعدة، وثالثها، صعوبة السير بمشروع الفايبر اوبتيك حالياً لمنح اللبنانيين سرعة أنترنت أكبر.
وتضيف المصادر: “يمكن لوزارة الإتصالات منح تسهيلات بشأن الإنترنت عبر الهواتف، وربما زيادة السعات الشهرية عن 5 جيغابايت بسعر مخفّض، كون هذه الكميّة لا تكفي سوى لـ 10 أيام تدريس عن بعد على الأكثر، ولكن هذه التسهيلات لن تحل الأزمة، وإن كانت ستساهم بتسهيلها بالنسبة للبعض”.
ولكن ماذا عن الكهرباء، كمشكلة عامة لكل اللبنانيين، خصوصاً في ظلّ هذا التقنين المعتمد حالياً، والذي وصل إلى مولّدات الاشتراك، فمن يضمن وجود الكهرباء في المنازل لمتابعة الدروس؟
ومن الصعوبات العامّة أيضاً، وجود أكثر من طالب في منزل واحد، فهل سيتم شراء جهاز كمبيوتر أو هاتف ذكي لكل طالب؟
وماذا عن تشريج الخطوط الكارثي للأهل الفقراء؟ وماذا عن الأهل الذين يعملون خارج المنزل؟
كيف سيتم تنسيق وجود الأطفال في المنزل ونيلهم التعليم اللازم؟ ماذا عن الأطفال الذين يحتاجون إلى رعاية تعليميّة خاصّة؟ فمن يهتم بهم؟ وبحال اعتماد التعليم المدمج، فماذا لو كان الأشقاء في منزل واحد لكل منهم دوامه الخاص؟ ماذا عن النقل الى المدارس؟
ماذا عن الصعوبات التي تواجه الأساتذة
تشير الأستاذة في التعليم الرسمي يارا حلال الى أنّه الى جانب مشكلة لبنان بالإنترنت، نواجه كأساتذة مشكلة كبيرة وهي بعدم تجاوب الطلاب معنا عن بُعُد، فالتنسيق ينخفض الى حدوده الدنيا.
وتضيف في حديث لـ”أحوال”: “أغلب الطلاب وحتى الأساتذة لا يملكون الموارد الكافية للعمل عن بعد، وأغلب المدارس غير مجّهزة ليتمكن الأستاذ من العمل منها”، مشددة على أنه حتى اللحظة لم نر شيئاً من الوعود التي أطلقت بشأن حصول المدارس على التجهيزات.
أزمة التعليم المهني
في سياق الحديث عن التعلم عن بُعُد لا يجوز نسيان مشكلة أساسية تواجه التعليم المهني، ففي العام الماضي، تبيّن أنّ الدروس العملية لا يمكن أن تتم “اونلاين”، الأمر الذي حرم الأساتذة المتعاقدين بالمهني والذين يدرسون مواداً عملية، من كامل مخصصاتهم كونهم لم يدرّسوا شيئاً، وهذه المشكلة بحسب مصادر في التعليم المهني لم تُحلّ عن بُعُد، كما أنها لن تُحل عن بعد، وتفرض الحضور الإلزامي للطلاب.
من جهتها تعلم مصادر في وزارة التربية أن الصعوبات في هذا المجال كثيرة، وفي اغلب الأحيان غير خاضعة لصلاحية وزارة التربية وهي تتطلب تعاون كل الوزارات لأجل حلّها، وبعضها يحتاج الى سنوات كمشكلة الكهرباء مثلا، ولكن كل هذا لا يعني جلوس الوزارة مكتوفة الأيدي، فالتعليم رسالة، والرسالة لا يجب أن تتوقف.
قد يكون المستقبل لتقنية التعلّم عن بُعُد، ولكن الوصول بنجاح الى هذا النظام يحتاج الى مسار طويل من التخطيط والتدريب والمواكبة، وهو ما ليس مُتاحا في لبنان اليوم، وبالتالي التعلم عن بعد سيكون متاحا لفئات محددة دون أخرى.
محمد علوش